سورة الفتح - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفتح)


        


{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)}
لما بيّن حال المنافقين ذكر المتخلفين، فإن قوماً من الأعراب امتنعوا عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لظنهم أنه يهزم، فإنهم قالوا أهل مكة يقاتلون عن باب المدينة، فكيف يكون حالهم إذا دخلوا بلادهم وأحاط بهم العدو فاعتذروا، وقولهم: {شَغَلَتْنَا أموالنا وَأَهْلُونَا} فيه أمران يفيدان وضوح العذر أحدهما: (قولهم) {أَمْوَالُنَا} ولم يقولوا شغلتنا الأموال، وذلك لأن جمع المال لا يصلح عذراً (لأنه) لا نهاية له، وأما حفظ ما جمع من الشتات ومنع الحاصل من الفواتت يصلح عذراً، فقالوا: {شَغَلَتْنَا أموالنا} أي ما صار مالاً لنا لا مطلق الأموال وثانيهما: قوله تعالى: {وَأَهْلُونَا} وذلك لو أن قائلاً قال لهم: المال لا ينبغي أن يبلغ إلى درجة يمنعكم حفظه من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لكان لهم أن يقولوا: فالأهل يمنع الاشتغال بهم وحفظهم عن أهم الأمور، ثم إنهم مع العذر تضرعوا وقالوا: {فاستغفر لَنَا} يعني فنحن مع إقامة العذر معترفون بالإساءة، فاستغفر لنا واعف عنا في أمر الخروج، فكذبهم الله تعالى فقال: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} وهذا يحتمل أمرين أحدهما: أن يكون التكذيب راجعاً إلى قولهم: {فاستغفر لَنَا} وتحقيقه هو أنهم أظهروا أنهم يعتقدون أنهم مسيئون بالتخلف حتى استغفروا، ولم يكن في اعتقادهم ذلك، بل كانوا يعتقدون أنهم بالتخلف محسنون ثانيهما: قالوا: {شَغَلَتْنَا} إشارة إلى أن امتناعنا لهذا لا غير، ولم يكن ذلك في اعتقادهم، بل كانوا يعتقدون امتناعهم لاعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يقهرون ويغلبون، كما قال بعده {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً} [الفتح: 12] وقوله: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً} معناه أنكم تحترزون عن الضرر. وتتركون أمر الله ورسوله، وتقعدون طلباً للسلامة، ولو أراد بكم الضرر لا ينفعكم قعودكم من الله شيئاً، أو معناه أنكم تحترزون عن ضرر القتال والمقاتلين وتعتقدون أن أهليكم وبلادكم تحفظكم من العدو، فهب أنكم حفظتم أنفسكم عن ذلك، فمن يدفع عنكم عذاب الله في الآخرة، مع أن ذلك أولى بالاحتراز، وقد ذكرنا في سورة ياس في قوله تعالى: {إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرّ} [ياس: 23] أنه في صورة كون الكلام مع المؤمن أدخل الباء على الضر، فقال: {إِنْ أَرَادَنِيَ الله بِضُرّ} [الزمر: 38] وقال: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ} [الأنعام: 17] وفي صورة كون الكلام مع الكافر أدخل الباء عل الكافر، فقال هاهنا {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً} وقال: {مَن ذَا الذي يَعْصِمُكُمْ مّنَ الله إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً} [الأحزاب: 17] وقد ذكرنا الفرق الفائق هناك، ولا نعيده ليكون هذا باعثاً على مطالعة تفسير سورة يّس، فإنها درج الدرر اليتيمة، {بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} أي بما تعملون من إظهار الحرب وإضمار غيره.


{بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)}
يعني لم يكن تخلفكم لما ذكرتم {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ} وأن مخففة من الثقيلة، أي ظننتم أنهم لا ينقلبون ولا يرجعون، وقوله: {وزين ذلك في قلوبكم} يعني ظننتم أولاً، فزين الشيطان ظنكم عندكم حتى قطعتم به، وذلك لأن الشبهة قد يزينها الشيطان، ويضم إليها مخايلة يقطع بها الغافل، وإن كان لا يشك فيها العاقل، وقوله تعالى: {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون هذا العطف عطفاً يفيد المغايرة، فقوله: {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} غير الذي في قوله: {بَلْ ظَنَنْتُمْ} وحينئذ يحتمل أن يكون الظن الثاني معناه: وظننتم أن الله يخلف وعده، أو ظننتم أن الرسول كاذب في قوله وثانيهما: أن يكون قوله: {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} هو ما تقدم من ظن أن لا ينقلبوا، ويكون على حد قول القائل: علمت هذه المسألة وعلمت كذا، أي هذه المسألة لا غيرها، وذلك كأنه قال: بل ظننتم ظن أن لن ينقلب. وظنكم ذلك فاسد، وقد بينا التحقيق في ظن السوء، وقوله تعالى: {وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً} يحتمل وجهين:
أحدهما: وصرتم بذلك الظن بائرين هالكين.
وثانيها: أنتم في الأصل بائرون وظننتم ذلك الظن الفاسد.


{وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13)}
على قولنا: {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} [الفتح: 12] ظن آخر غير ما في قوله: {بَلْ ظَنَنْتُمْ} ظاهر، لأنا بينا أن ذلك ظنهم بأن الله يخلف وعده أو ظنهم بأن الرسول كاذب فقال: {وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بالله وَرَسُولِهِ} ويظن به خلفاً وبرسوله كذباً فإنا أعتدنا له سعيراً، وفي قوله: {للكافرين} بدلاً عن أن يقول فإنا أعتدنا له فائدة وهي التعميم كأنه تعالى قال: ومن لم يؤمن بالله فهو من الكافرين وإنا أعتدنا للكافرين سعيراً.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8